13 déc. 2014

مفهوم الشخص - الشخص بين الضرورة والحرية

مفهوم الشخص 


       
     ІІІ- الشخص بين الضرورة والحرية:
                        *إشكال المحور:  ما علاقة الشخص، بوصفه ذات حرة، بما يحمله من صفات وما يصدر عنه من أفعال؟    هل هي أفعال صادرة عن إرادة حرة   أم محكومة بإشراطات؟

        1- القول بخضوع الشخص لمجموعة من الإكراهات والمحددات الحتمية .

    أ- موقف اسبينوزا: أفعال الإنسان محكومة بضرورات طبيعية.
    يرى اسبينوزا أن الناس يعتقدون أنهم أحرارا في أفعالهم وأنهم يتصرفون وفق إرادتهم واختيارهم، لا سيما أنهم يكونون على وعي بما يقومون به، إلا أن الحقيقة بخلاف ذلك؛ فالناس يجهلون الأسباب الحقيقية لأفعالهم ورغباتهم والتي تحددها بشكل طبيعي وحتمي. إن التجربة تبين حسب اسبينوزا أن الناس لا يستطيعون التحكم في شهواتهم بما فيه الكفاية، ذلك أنهم غالبا ما يدركون الأفضل ومع ذلك يفعلون الأسوأ وينتابهم الندم من جراء ذلك. وفي هذا السياق يقدم اسبينوزا أمثلة تتعلق برغبة الرضيع في حليب الأم، وبحالة الغضب التي تنتاب الشاب وهو يريد الانتقام، وبرغبة الجبان في الفرار، لكي يبين لنا من خلالها أن هؤلاء وغيرهم من الناس يظنون أنهم أحرارا أثناء قيامهم بتلك الأفعال وغيرها، إلا أن واقع الأمر عكس ذلك فهناك أسباب خفية تقف وراء أفعالهم تلك وتوجهها. هكذا فمن الوهم الاعتقاد، حسب اسبينوزا، بأن الإنسان حر نظرا لجهله بالأسباب التي تحرك أفعاله وأقواله، وهي أسباب لا تخرج عن إطار الحتمية الطبيعية التي تخضع لها جميع الأشياء.
   
     ب- موقف العلوم الإنسانية: الشخص خاضع لحتميات مختلفة.
    لقد اعتبر علم النفس الفرويدي بأن نفسية الإنسان تتحدد بشكل حاسم في مرحلة الطفولة، كما أن سلوكاته تقف وراءها نزعات لاشعورية توجه حياته دون أن يشعر. هكذا يحل اللاوعي محل الوعي، ويبدو الشخص خاضعا لنزعاته التدميرية العدوانية التي يختزنها «الهو».  ومن جهة أخرى بينت الدراسات الاجتماعية والأنثروبلوجية أن الكثير من أحاسيس الإنسان وأفكاره وسلوكاته مفروضة عليه من خلال التنشئة الاجتماعية. فالشخص لا يعدو أن يكون نتاجا لتفاعل بنيات وقواعد مؤسسية مختلفة تمارس عليه الإكراه من مختلف الزوايا؛ سواء تعلق الأمر بالبنيات النفسية أو اللغوية أوالمادية والاقتصادية. من هنا فقد انتهت العلوم الإنسانية إلى التأكيد على أن وعي الشخص بذاته يشوبه الوهم والغرور، وتحدثت عن موته واختفائه وسط العديد من المحددات التي تشرطه وتحاصره.
    وإذا كان الفيلسوف اسبينوزا قد تحدث عن خضوع الشخص لحتمية طبيعية، وأكدت العلوم الإنسانية عن خضوعه لمحددات نفسية واجتماعية وغيرها، فهل يعني ذلك أن هناك غياب تام لحرية الشخص في بناء نفسه وتقرير مصيره؟

          2- القول بحرية الشخص في بناء نفسه.
 
    أ- موقف سارتر: الشخص مشروع حرية تتحقق بشكل دائم.    
    يرى سارتر أن الإنسان كشخص هو مشروع مستقبلي، يعمل على تجاوز ذاته ووضعيته وواقعه باستمرار من خلال اختياره لأفعاله بكل إرادة وحرية ومسؤولية، ومن خلال انفتاحه على الآخرين. ولتأكيد ذلك ينطلق سارتر من فكرة أساسية في فلسفته وهي «كون الوجود سابق على الماهية»، أي أن الإنسان يوجد أولا ثم يصنع ماهيته فيما بعد.إنه الكائن الحر بامتياز، فهو الذي يمنح لأوضاعه معنى خاصا انطلاقا من ذاته؛ فليس هناك سوى الذات كمصدر مطلق لإعطاء معنى للعالم. إن الشخص هو دائما كائن في المستقبل، تتحدد وضعيته الحالية تبعا لما ينوي فعله في المستقبل.فكل منعطف في الحياة هو اختيار يستلزم اختيارات أخرى، وكل هذه الاختيارات نابعة من الإنسان باعتباره ذاتا ووعيا وحرية.

     ب- موقف مونيي:  الشخص حر في تقرير مصيره.
    يرى مونيي أن الشخص ليس موضوعا، وبالتالي لا يمكن التعرف عليه من الخارج والتعامل معه كمادة جامدة. وهو ينتقد هنا ضمنيا موقف العلوم الإنسانية التي تطمح إلى السيطرة على الإنسان ودراسته كباقي أشياء الطبيعة. يرفض مونيي هذا الموقف الأخير ويعتبر أن الشخص وحدة كلية تتكون من عدة أجزاء وجوانب، كما أن فهمه والتعرف عليه لا يمكن أن يكون إلا من الداخل ومما هو روحي ويتميز به عن باقي الأشياء. ومن ناحية أخرى يعتبر مونيي أن للشخص قيمة مطلقة ولا يمكن تسخيره من قبل الجماعة كوسيلة، بل هو غاية في ذاته. ولذلك فهو يدعو المجتمع إلى ضرورة توفير الظروف والوسائل الملائمة لكي يحقق الأشخاص ميولاتهم ويقرروا مصيرهم بمحض حرياتهم. وفي هذا السياق يقول مونيي: « إن الإنسان هو الذي يقرر مصيره ولا يمكن لأي شخص آخر، فردا كان أو جماعة، أن يقوم مقامه في ذلك ».
    نلاحظ أن وجودية سارتر و شخصانية مونييه يتقاطعان في رفض الخطاطة التبسيطية التي تجعل الشخص والظاهرة الإنسانية عموما ظاهرة خاضعة على غرار الظواهر الطبيعية لمقولات العلم الموضوعي وعلى رأسها الحتمية، إن الإنسان بالنسبة لفلاسفة الحرية تجربة ذاتية منغرسة في العالم لا تتوقف عن إبداع نفسها ولكن تقول العلوم الإنسانية: إنه لا يبدع ولا يعبر إلا عن مجمل الشروط التي يتلقى!
   
    جـ - موقف محمد عزيز الحبابي:  الشخص حر في تقرير مصيره.
    ينطلق محمد عزيز الحبابي من تبيان مفهوم الإنسان الذي يتحقق في نظره من خلال عملية التحرر من وضعية الكائن إلى الشخص، فالذات الإنسانية حين تقوم بنشاط معين، فهي لا تقوم به إلا بعد مُلاءَمَة الأفعال مع النوايا، وتفهم الأوضاع التي تؤهل أو تقود إلى ممارسة الفعل، وهذه كلها أفعال للوعي الإنساني الذي يستجيب إلى نداء الإنسانية حيث يضع فكره وسلوكه في خدمتها... إنه وعي قصدي مشروط بدافع وأسباب هي التي تحدد اختيار القيمة والغاية المقصودة التي يريد تحقيقها بعد أن حقق وجوده في مرحلة التشخصن.
    فالإنسان هو الكائن الذي بلغ تشخصنه درجة من النمو تجعله يقوم بنشاط ما، يحقق نوايا ترقى إلى أبعد من الأشياء الفردية، إنه يضع معادلة بين أفعاله ونواياه.. والربط بين الأجزاء والكل، عمل يصدر عن وعي رابط، لأن الإنسان هو الشخص الذي وصل إلى مرحلة التفكير المنطقي  وربط الأسباب بالنتائج ولديه هدف في الحياة يسعى إلى تحقيقه.
فبفضل الفعل الإرادي المستقبلي لدى الإنسان يستطيع هذا الأخير تحقيق ذاته بفضل وعيه القصدي بشروط وجوده التي تتجه به نحو إنسانيته بواسطة التشخصن، أي بتأكيد الشخص لذاته ةتمركزها حول نفسها أولا، ثم خروج هذه الذات إلى العالم لكي تمارس نشاطها بفعالية داخل مواقف وقضايا يضع الإنسان فكره وسلوكه في خدمتها. إنه إذن تضامن الأنا مع النَّحْن، الشيء الذي لا يجعل من الشخصانية حسب عزيز الحبابي نظاما فلسفيا بل فلسفة منفتحة ومناضلة.
    إذن، يرى الحبابي أن للشخص حرية لكنها مشروطة بالوضع الواقعي و المجتمعي، أي أنها ليست مطلقة وليست ذاتية، بل تتحقق حينما ينفتح الشخص ويتجه صوب الآخرين، ويستطيع تحقيق ذاته تبعا لفعله الإرادي والقصدي والتوقان إلى المستقبل. إنها الوعي بالتحرر الذي يشتمل على كل الحريات، فالإنسان كائن لا يستطيع أن يعيش حريته كانغلاق على الذات، بل يعيشها من خلال انفتاحه على العالم و الآخرين و التاريخ ، وبالتالي الفعل الإنساني هو الذي يتجاوز الذات نحو الغير ويقتضي تطابق الفعل مع النية. إنه فعل يتجه نحو قصد يرمي إليه الوعي، لكن هناك دوافع وأسباب هي التي تحدد اختيار النية والغاية المقصودة. فالشخص في نظر الفيلسوف إرادة و اختيار و تقرير و بيئة.
 

      خلاصة عامة:

    إذا كان لابد من خلاصة تجمع أطراف موضوع متشعب كموضوع "الشخص"، فسنقول بأن الشخص، تلك الوحدة الصورية، ذلك الكائن المفكر العاقل والواعي...إلخ ينطوي في المستوى المحسوس على شخصية هي حصيلة تفاعل بين عوامل باطنية وأخرى متعلقة بالمحيط الخارجي، إنها ذلك الشكل الخاص من التنظيم الذي تخضع له البنيات الجسمية، النفسية والاجتماعية. صحيح أن هذا التنظيم يخضع لعوامل ومحددات موضوعية كثيرة، لكن ذلك لا يلغي دور الشخص في بناء شخصيته. وإذا ما بدا موضوع الشخص إشكاليا متعدد الأبعاد، فما ذلك إلا لأن دراسة الشخص ليست إلا اسما آخر لدراسة الإنسان بكل تعقده وغموضه.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

مفهــوم الغيــــر - العلاقة مع الغير

  مفهــوم الغيــــر       III- العلاقة مع الغير :     تتعدد أوجه العلاقة بالغير وتتخذ أبعادا مختلفة بين الابن وال...